الغابون تمضي على الطريق لأن تصبح نموذجًا في مكافحة تغير المناخ العالمي

عندما تم تعييني في منصب المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في الغابون قبل عام، كنت أقفز فرحًا. كان تبوء هذا المنصب بمثابة حلم في بلد يُعرف باسم "آخر عدن على الأرض" نظرًا لتاريخه العريق في الحفاظ على البيئة والتزامه السياسي الطويل الأمد بحفظ البيئة الطبيعية التي لم تُمس. اليوم، تعد الغابون نموذجًا للدول الأخرى وتمضي على الطريق لأن تصبح قوة خضراء يجب دعمها عالميًا.
على الرغم من التقدم الذي أحرزته الغابون على مدى العقود المنصرمة لتوسيع نطاق تدابير حماية البيئة وخفض انبعاثات الكربون، فإن الآفاق العالمية في ما يتعلق بالمناخ لا تزال كارثية. وصل منسوب المياه في الأنهار والبحيرات حول العالم إلى مستويات تاريخية منخفضة. شهدت أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا والشرق الأوسط موجات حر غير مسبوقة هذا الصيف بالإضافة إلى حرائق غابات مدمرة وطويلة الأمد. تذوب الأنهار الجليدية بوتيرة لم يسبق لها مثيل، وتتواصل إزالة الغابات في جميع أنحاء العالم. لا تزال القارة الأفريقية هي الأكثر تضررًا من آثار تغير المناخ، رغم أن سكانها لم يساهموا إلا بقدر ضئيل في هذه الأزمة.
لقد حذر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قادة العالم من أننا نسير نائمين نحو كارثة مناخية في حال لم يتم اتخاذ إجراءات فورية للحد من انبعاثات الكربون.
وفي خضم هذه الحالة البيئية الطارئة، هناك بعض البلدان، من ضمنها الغابون، يوفر مصدر أمل وقوة في مكافحة تغير المناخ.
إن الغابون واحدة من البلدان القليلة في العالم التي تمتص الكربون أكثر مما تطلق، وتُعدّ جهودها للحفاظ على البيئة ورأس المال الطبيعي الغني مثالًا لنا جميعًا.
لذلك من غير المستغرب أن يتم اختيار ليبرفيل، عاصمة الغابون، لاستضافة نسخة 2022 من أسبوع المناخ في أفريقيا، الذي سيُعقد هذا الأسبوع من 29 أغسطس إلى 2 سبتمبر. يجمع الحدث أكثر من 1300 خبير في البيئة والمناخ بالإضافة إلى قادة دوليين ووطنيين رفيعي المستوى وممثلين عن المجتمع المدني والمنظمات متعددة الأطراف والأوساط الأكاديمية. تستضيف الحدث وتنظمه حكومةُ الغابون بالاشتراك مع الأمم المتحدة في إطار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومجموعة البنك الدولي وشركاء آخرين.
بينما تدور هذه المناقشات رفيعة المستوى هذا الأسبوع هنا في ليبرفيل، أتأمل في النتائج المهمة التي حققناها، أي فريق الأمم المتحدة في الغابون مع الحكومة والشركاء الآخرين على الأرض عبر تعزيز العمل المناخي.

تهدف مبادراتنا المناخية في الغابون إلى البناء على الجهود النموذجية التي بذلتها الدولة بالفعل للحد من انبعاثات الكربون والحفاظ على هدف 1.5 درجة الذي حددته اتفاقية باريس.
كان دعم انتقال الغابون من الاقتصاد البني، الذي يعتمد بشكل أساسي على استخراج النفط، إلى الاقتصاد الأخضر جزءًا أساسيًا من هذه الجهود وأحد أهدافنا الاستراتيجية الرئيسية المنصوص عليها في خطة الأمم المتحدة الجديدة للتنمية المستدامة (2023-2027)، بما يتماشى مع الأولويات الوطنية. إن الهدف من هذا التحول هو تسريع التنويع الاقتصادي بالتوازي مع تشجيع الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية وخلق وظائف خضراء جديدة، لا سيما للنساء والشباب، الذين لديهم أعلى معدلات البطالة.
يتمثل جزء رئيسي من دوري كمنسق مقيم في الغابون في التقريب بين وكالات الأمم المتحدة المختلفة والتأكد من أننا نعمل بطريقة فعالة ومنسقة لتحقيق أهدافنا المناخية المشتركة. ندعم معًا بقوة جهود الدعوة في البلاد لجذب التمويل الإنمائي من أجل المساعدة في تسريع التحول الأخضر والتنويع الاقتصادي في الغابون.
لقد قمنا بالفعل بتنفيذ عدد من برامج الأمم المتحدة المشتركة، بما في ذلك إطار التمويل الوطني المتكامل الذي يساعد في مواءمة الاستثمارات مع أولويات التنمية الوطنية بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة. لقد ساعدت هذه المبادرة، التي قادها برنامج الأمم المتحدة الإنمائي واللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة بميزانية قدرها مليون دولار أمريكي، على تحديد التدفقات المالية عبر الغابون. وتكشف أنه في عام 2020، تم توجيه 4.5٪ فقط من إجمالي الاستثمارات في البلاد نحو تعزيز الاقتصاد الأخضر. ساعد المشروع في تحديد العقبات التمويلية، وإعادة توجيه الاستثمارات نحو مبادرات التنمية المستدامة، وتطوير مصادر أكثر ابتكارًا للتمويل الأخضر.
نعمل في الغابون على ضمان مشاركة جميع السكان، لا سيما الشباب والنساء، في الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية للبلد والاستفادة من ثمار الانتقال الخاضع لضوابط إلى اقتصاد أخضر مستدام وقادر على الصمود.
ركز أحد البرامج التجريبية، الممول من صندوق الأمم المتحدة للتنمية المستدامة في الغابون، على إشراك الشباب العاطلين من سكان الحضر المتأثرين بأزمة كوفيد-19 في الإنتاج الزراعي. وكجزء من المشروع، تلقى 300 شخص، ثلثاهم من النساء، تدريباً فنياً ومساعدة مالية في سلاسل القيمة الخضراء. كما تعلموا كيفية زراعة محاصيلهم، ونتيجة لذلك تمكنوا من إطعام عائلاتهم خلال فترات الإغلاق الشامل. وعندما نمت محاصيلهم وزاد إنتاجهم، تمكنوا من تسويق منتجاتهم الزراعية، وعرضوها في السوق المحلية، بما في ذلك المتاجر. شهد المشروع، الذي بدأ في عام 2021، نجاحًا منقطع النظير، بحيث يتم تنفيذه حاليًا في ثلاث مقاطعات أخرى.

إن مبادرة تواصل الشباب هي مثال أساسي آخر على كيفية جمعنا لمنظومة الأمم المتحدة بأكملها في الغابون لتوسيع الشراكات المحلية وزيادة العمل المناخي. بالتعاون مع صندوق الاستثمار الوطني والحاضنات المحلية، توفر المبادرةُ التمويلَ لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم في التحول الثاني والثالث للأخشاب، ما يساعد على تطوير قطاع أخشاب مستدام ومتنوع في جميع أنحاء البلاد.
من خلال هذه الجهود، نعمل بشكل وثيق مع المجتمعات المحلية والمجتمع المدني من أجل الترويج لمجموعة متنوعة من المبادرات الشعبية التي تساعد على تجديد البيئة ووضع احتياجات المجتمع المحلي في صلب الاهتمامات.
يستمر أسبوع المناخ في أفريقيا هذا الأسبوع في ليبرفيل، حيث تجد غابون نفسها عند مفترق طرق مهم في رحلتها نحو تحويلها إلى نموذج للتنمية المستدامة والشاملة، بحيث يتوازن النمو الاقتصادي مع حماية البيئة والتخفيف من حدة تغير المناخ.
يوفر هذا الأسبوع فرصة مناسبة لدعم الغابون في هذه الرحلة، من خلال الدعوة إلى العدالة المناخية، وحشد المزيد من الدعم من المجتمع الدولي، وتعزيز الشراكات وتبادل الأفكار الجديدة حول كيفية توسيع نطاق العمل المناخي في جميع أنحاء القارة والوفاء بالوعود المنصوص عليها في خطة التنمية المستدامة لعام 2030.
جنبًا إلى جنب مع ائتلافنا الواسع من الشركاء، أعلم أننا، فريق الأمم المتحدة في الغابون، يمكننا توسيع رقعة نجاحاتنا الحالية ورفع مستوى طموحاتنا المناخية المشتركة، وأن نصبح نموذجًا يُحتذى به للانتقال الأخضر المستدام في جميع أنحاء العالم.
بقلم سافينا أماساري، المنسقة المقيمة للأمم المتحدة في الغابون. الدعم التحريري قدّمه فريق التحرير في مكتب التنسيق الإنمائي التابع للأمم المتحدة.
لمعرفة المزيد حول عمل الأمم المتحدة في الغابون، قم بزيارة: Gabon.un.org.